الأحد، 20 مارس 2011

في صيد الخاطر وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم

"أعوذ با الله من صحبة البطالين، لقد رأيت خلقا كثيرا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس وما لايعني، وما يتخلله غيبة. وهذا شيء يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصا في أيام التهاني والأعياد. فتراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهاؤه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت مهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلب قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغا. فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد وبري القلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها. ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم يضيع شيء من وقتي. نسأل الله عز وجل أن يعرفنا أوقات العمر، وان يوفقنا لاغتنامه. ولقد شاهدت خلقا كثيرا لا يعرفون معنى الحياة، فمنهم من أغناه الله عن التكسب بكثرة ماله، فهو يقعد في السوق أكثر النهار ينظر إلى الناس، وكم تمر به من آفة ومنكر. ومنهم من يخلو بلعب الشطرنج، ومنهم من يقطع الزمان بكثرة الحوادث من السلاطين والغلاء والرخص، إلى غير ذلك. فعلمت أن الله تعالى لم يطلع على شرف العمر ومعرفة قدر أوقات العافية إلا من وفقه وألهمه اغتنام ذلك وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم."